-
menu
جريدة الشروق 02 فيفري 2023
لطفي الأرناؤوط في ذمة الله.
(5 جانفي 1944- 28 جانفي 2023)
في يوم السبت 28 جانفي 2023، توفي الفنان التشكيلي لطفي الأرناؤوط ، وبذلك تخسر الساحة الثقافية أحد رموزها الفنية. رحمه الله رحمة واسعة ورزق اهله وعائلته الموسعة جميل الصبر والسلوان.
لطفي الأرناؤوط من مواليد سنة 1944 بتونس العاصمة. دَرَس بالمعهد الصادقي اختصاص فلسفة ثم تحصل على شهادة الدراسات المعمقة من المعهد التكنولوجي للفنون والهندسة المعمارية والتعمير بتونس. متحصل على جائزة الفن الحديث سنة 1986 وأقام عديد المعارض الشخصية منذ سنة 1965 مثلما شارك في عديد المعارض الجماعية منذ 1962. وهو عضو مؤسس لجماعة الستة سنة 1964 وهو نفسه الذي اقترح تسميتها. وعضو مؤسس لاتحاد الوطني للفنون التشكيلية سنة 1967 والذي يُعرف اليوم باتحاد الفنانين التشكيليين.
ابتدا لطفي الأرناؤوط مسيرته الفنية منذ الستينات مركزا في رسومه على أسلوب غنائي معتمدا في ذلك مسطحات لونية، يعمد إلى فصلها بخطوط محيطية تساهم في إبراز إشعاع ألوانها بحكم التباين النوعي بين المساحات الملونة والخطوط االداكنة التي تحيط بها. الا انه ومنذ الثمانينات اهتم بالطبق النجمي ، ليصبح بذلك من ضمن الفنانين الذين وجدوا في العودة الى المخزون التراثي غذاء لفنهم.
في لوحته "تكوين "- 108/108سم، زيت على خشب، شارك بها في المعرض السنوي لاتحاد الفنانين التشكيليين لسنة 1999 بقصر خير الدين بمدينة تونس- تطالعنا أشكالا هندسية تستمد جذورها من الأشكال التزويقية المعتمدة في الفن العربي الإسلامي والمؤسَّسةعلى مبدأ التكرار، مما يحيلنا إلى مفهوم المفردة التشكيلية الذي يمثل تكرار نفس الشكل باعتماد التجاور، وهو ما يفضي الى توليد لأشكال جديدة مثل ما نلاحظه في الجليز وفي النقش العربي الإسلامي عموما. وتتمثل المفردة التشكيلية في لوحة الأرناؤوط في مربع ضلعه خمسة وعشرون سم ، كرّره ستة عشر مرة، معتمدا في ذلك على مبدأ التّجاور مما أسس لظاهر شبكي. وما تختص به هذه المربعات المتماثلة والموزعة على كامل مساحة اللوحة، انبثاق الضوء فيها من نقطة مركزية في شكل نجمة وفي اتجاه أطراف مساحاتها.
تمثل المفردة التشكيلية، نتيجة بناء يتحصل عليه الأرناؤوط انطلاقا من حركة دوران لشكل المربع حول مركز واحد مضيء، ليفضي في النهاية إلى بناء طبق نجمي، تمتدّ أشكاله من المركز في اتجاه كل أطراف المربع. وللتركيز على البؤر الضوئية التي تُشعُّ انطلاقا من مراكز هذه المربعات المتجاورة، يستعمل لطفي الأرناؤوط ضمن كل مربع، بدءا من أطراف المربع وصولا الى وسطه، تدرجا ًضوئيا من الداكن الى الفاتح للازرق، ليشعرنا بشكل دائري، يصبح هو ذاته مساهما في إبراز الحركة الدائرية التي تعبّر عنها الاطباق النّجمية.
ان المفردة التشكيلية التي يعتمدها الأرناؤوط والتي يعمد إلى تكرارها ليفضي الى بناء شبكي، تصبح منطلقا لتوليد جديد للشكل. فآلمفردة الواحدة والمنعزلة، ليست تلك المتكررة التي تفضي إلى الكل. بل إن حجم التكرار أيضاً يصبح محدّدا لطريقة إدراكنا لها.
إن في تكرار المفردة، توالد لأشكال جديدة. لذلك تصبح أهمية المفردة ليس في ذاتها بل فيما تفضي إليه ضمن الشبكة الناجمة عن تكراره.
ولعل ها الأسلوب في التعامل مع الاشكال، مثَّل الرّكيزة الاساسية للفن الاسلامي الزّخرفي الهندسي والذي سعى الى توضيفه فنانون تشكيليون تونسيون آخرون.
قضّى لطفي الأرناؤوط آخر فترة من حياته بدار المسنّين بقمرت وتوفي فيها. وهي وضعية نأسف لها ونخجل منها.
سامي بن عامر