-
menu
جريدة الشروق 26 جانفي 2023
من جماعة مدرسة تونس:
يحيى التركي 1902- 1969
نتناول تباعا خلال الاسابيع القادمة، اعمال بعض الفنانين التونسيين المنتمين الى جماعة مدرسة تونس، التي كانت موضوع مقالنا في العدد الاخير، بدءا بيحيى التركي، اول رئيس تونسي سمي على راس هذه الجماعة والملقب ايضا بأب الرسم التونسي.
ولد يحيى التركي سنة 1901 في تونس العاصمة وزاول دراسته الابتدائية بالصادقية وبمعهد كارنو، الا انه وبسبب ظروفه الصحية تعذر عليه مواصلة دراسته فاشتغل في الإدارة المالية. شارك لأول مرة في الصالون التونسي سنة 1923. تحصل على منحة لدراسة الفن إلا انه فضل مواصلة تكوينه العصامي. سافر إلى باريس حيث تعرف على الفنانين والحركة التشكيلية هناك وخصوصا على مدرسة باريس وعرض في قاعة tédesco في باريس سنة 1931 وأصبح بعد الحرب العالمية الثانية احد أعضاء مدرسة تونس ثم رئيساً لها سنة 1956. وبعد وفاته تم إطلاق اسم يحيى على قاعة العروض لبلدية تونس.
في لوحته "نساء في فضاء داخلي"، زيت على قماش وهي من ضمن مقتنيات الدولة التونسية، نتبيّن امرأتين واقفتين على سجاد مزخرف داخل فضاء معماري يتميز بأقواسه وأعمدته ذات الطابع العربي الإسلامي وتحتلان هذين الامراتين ثلثي مساحة اللوحة تقريبا.
تختص هذه الأخيرة بواقعيتها وببساطة موضوعها ونقاوة ألوانها وفضائها المضيئ . يركز يحيى التركي على الملامح الأساسية في شخوصه التي يرسمها، معتمدا في ذلك اقتصادا في الخطوط وإطنابا في إشراق الألوان وضيائها. يختزل خطوطه التي يمررها بفرشاته ليبرز حد مساحات شخوصه وفضاءاته المعمارية. فأشكاله تحيلنا بطريقة قصديّة إلى مساحات مسطحة رغم ما توحي به أحيانا من بعد ثالث. لذلك هو يؤكد على الطابع التسطيحي للألوان مثل المساحات البنية الملونة لبشرة المرأتين أو المساحة ذات اللون الفيروزي لثياب المرأة اليمنى وغيرها من المساحات الملونة والمسطحة لأشكاله التشخيصية والمعمارية.
وما يزيد في إبراز الطابع المسطح في هذه اللوحة، اعتماد يحيى التركي توزيع أشكاله الزهرية على كامل المساحات التي خصها لثياب المرأتين وللسجاد. ولعل هذا يحيلنا إلى الفنان الفرنسي ماتيس الذي اعتمد على نفس هذا الأسلوب، مستلهما من الارابسك العربي الإسلامي طابعه الانتشاري على المساحة، للتركيز على البعد المسطح للوحاته، مما يمكنه من تجاوز المنظور الذي اتصف به الرسم الكلاسيكي.
لقد كان يحيي منتبها لما يحدث على الساحة التشكيلية العالمية ولقد استطاع أن يتفاعل مع مستجداتها بطريقة ذكية وشخصية مع الإبقاء على خصوصيته.
ولقد كان يحيى من أهم الفنانين المؤثرين على الحركة التشكيلية بحكم أسبقيته في الزمن وبحكم حضوره المتواصل على الساحة الثقافية. انه أب للرسامين التونسيين.
كتب الشاذلي القليبي في الذكرى الاولى للرسام يحيى التركي التي نظمت بدار الثقافة ابن رشيق:
"شيعت تونس إلى مثواه الاخير علما من اعلام فن الرسم ، لعله اول تونسي اخذ على عاتقه ان يقتبس هذا النوع الجديد من التعبير ، فغرسه في التربة الوطنية واضفى عليه ما يلائمها من الوان وأحاسيس وعواطف، حتى جعل منه فنا تونسيا اصيلا. وقد كان يحيى يعتبر بحق شيخ الرسامين التونسيين بسبب هذا السبق الذي امتاز به، ولكن أيضا لهذه الأصالة التي تميز بها، ولهذه السهولة التي تكسب لوحاته مسحة من العفة في أقرب إلى السهل الممتنع منها إلى سماجة الرسامين الفطريين."
سامي بن عامر