-
menu
الشروق 1 ديسمبر 2022
الصالون التونسي.. قرن من النشاط
(1894 – 1984)
الصّالون التّونسي، مؤسّسة أحدثها "معهد قرطاج" للتّعريف باللّغة والثّقافة الفرنسية. حدث ذلك سنة 1894، أي بعد ثلاث عشرة سنة من إمضاء معاهدة باردو في 12 ماي 1881. وهي فترة استطاع الفرنسيون خلالها بسط نفوذهم على المستعمَرة التونسية. وكان يهدف هذا الصّالون إلى تنظيم معارض الفنّانين وخصوصا إلى تلميع صورة الحماية الفرنسيّة بإعطائها أبعادا ثقّافيّة وعلميّة، حيث كان الأداة الأساسيّة لإرساء الإيديولوجيا الجماليّة الّتي اتصف بها الفنّ الاستعماري في ذلك الحين، والذي سيكون لها التّأثير الكبير على مسيرة الحركة التّشكيليّة في البلاد التّونسيّة.
ولا غرابة إن كان المستعمر المستوطن في تونس يرى أن ما كان يجلبه من فرنسا من فكر وفن، هو من قبيل «الحق والجمال». ففي النّص التّقديمي لعدد 13 من "المجلّة التونسية" Revue tunisienne التّابعة لـ"معهد قرطاج" والصّادر سنة 1897 والمتزامن صدوره مع وفاة جان بابتيس سارفونات (1849-1896) نائب الرّئيس الشّرفي لمعهد قرطاج في تلك الفترة، أشاد رئيس معهد قرطاج السيد بويسون بخصال الفقيد قائلا: «كان يرى أنه في الاشتغال على التّطوير المادي لبلدانهم الحاضنة، كان يحقّ للفرنسيين في تونس أن يحملوا من بلدهم الأصلي ذوقهم للأشياء الرّوحية وعبادتهم للحقّ والجمال».
كان الصّالون التونسي، الفضاء الملائم لتقديم أعمال الفنّانين الفرنسيّين والأوروبيين الّذين استقرّوا في تونس خلال فترة الحماية الفرنسيّة، فأنتجوا فنّا تُغذّيه الرّغبة في التّعرّف على الأشياء المجلوبة والغريبة. إلّا أنه وفي المقابل، كان أيضا الأداة للخروج بالرّسم المسندي من قصور البايات وعرضه في قاعات تجارية مفتوحة للعموم، ممّا مكّن الكثير من التّونسيّين من اكتشاف هذا النّوع من الفن.
ولقد أفضى النّجاح الباهر الّذي لَقيَه الصّالون الأول الذي افتُتح يوم 11 ماي 1894، إلى إعداد سلسلة من المعارض.
شارك في الصّالون في بداية القرن العشرين، نخبة من اليهود من أهل البلد، مثل موريس ليفي وجول للوش وموريس بزموت ثم اقتفى أثرهم بعض أفْرادٍ من التونسيين. فمشاركة عبد الوهاب الجيلاني تعود الى سنة 1912. وبعده يحيى التركي سنة 1923، وسار على منوالهما كلٌّ من علي بن سالم وعبد العزيز بن الرّايس وعمّار فرحات وحاتم المكي...
ورغم تواصل نشاط "الصالون التونسي" واستقطابه لعديد الفنانين، فإن جلّ الفنانين الكبار والنقاد الذين تابعوه لم يتركوا إزاءه انطباعا إيجابيا. فبيار بوشارل (1894-1988) الذي أسّس "مدرسة تونس"، كان من دواعي مبادرته هذه، بعث مؤسسة جديدة تستقبل الرسامين المتميزين بدلا من الصالون التونسي الذي كان يعتبره صالونا للهواة. أما أرمان فارجو، الرّسام ومدير مدرسة الفنون الجميلة بتونس (1930 -1949)، كان أيضا يتبنّى نفس هذا الموقف السّلبي إزاء هذه المؤسسة.
وتنقّل "الصالون التونسي" من مكان إلى مكان آخر، الى أن استقر في الأخير بالرِّواق البلدي للفنون، "رواق يحيى"، إلى أن أغلق سنة 1984، بعد مرور قرن عن تأسيسه.
صحيح ان "الصالون التونسي " اعتُمد منذ اواخر القرن التاسع عشر، كجهاز لتمرير إيديولوجية المستعمر، إلا أنه كان في الآونة ذاتها، الفضاء الذي مكّن عديد الفنانين التونسيين من الظهور والتعريف بأعمالهم.
سامي بن عامر