-
menu
جريدة الشروق 17 نوفمبر 2022
الفوتوغرافيا الاستشراقية في تونس... "لينارت" والأطفال العراة
مواصلة للمقال الذي نشرناه يوم الخميس الفارط والمتعلق بالرسم المسندي الاستشراقي في تونس، نتطرق في هذا الملحق الى مسالة الصورة الفوتوغرافية الاستشراقية التي دخلت إلى تونس مع بداية الحماية الفرنسيّة. إذ راهن المستعمر عليها للأهمّية الكبرى الّتي تلعبها إعلاميًّا وسياحيًّا وإيديولوجيًّا، فدَعّم المصوّرين الفوتوغرافيين خصوصا لإنتاج بطاقات بريدية تُبرز الطّابع التونسي كما يرونه هم، بهدف جذب المواطنين الفرنسيّين للمستعمرة والاستقرار فيها. وتمّ إنجاز الآلاف من الصّور الفوتوغرافيّة المتعلّقة بتونس في أواخر القرن التّاسع عشر وبداية القرن العشرين، وما زال الكثير منها موجودًا إلى اليوم بحوزة بعض المجمعيّن التّونسيّين.
أفضى هذا الاهتمام بالصّورة الفوتوغرافيّة إلى استقرار مجموعة من الفوتوغرافيين الفرنسيّين وغير الفرنسيّين في تونس، أمثال سولر SOLER وغاريغ GARRIGUES والّذين فتحوا محلات تجارية للتّصوير الفوتوغرافي، بدءًا بالعاصمة ثم ببعض ولاياتها. واهتموا أساسًا منذ البداية بتصوير الطّابع الغرائبي والعجائبي كما كانوا يرونه في تونس من خلال أسلوب استشراقي. ومن بين هؤلاء الفوتوغرافيين رودولف لينارت (1878-1948) Rudolf LENHERT الذي تطرح تجربتُه أكثر من سؤال.
ولد رودولف لنارت سنة 1878 بالنمسا وتوفي في تونس سنة 1948. وهو فوتوغرافي متحصل على الجنسية الفرنسية، سافر الى صقلية ثم اكتشف الشرق في تونس سنة 1903. وعند عودته التقى برجل الاعمال السويسري. Ernst Landrock واتفقا الاثنان على بعث شركة في تونس تحت تسمية "لانارت ولندورك". انطلقت هذه المؤسسة تشتغل في منزل قرب الجامع الكبير بتونس العاصمة ثم تحوّلت الى شارع فرنسا سنة 1907. ولقيا نجاحا كبيرا، ما جعل إنتاجهما الفوتوغرافي ينتشر في تونس وفي كل العالم. أعمال "لينارت ولندروك" تتمثل في صورٍ لأطفال إناث وذكور في حالة عراء جزئية أو كاملة.
نشاهد مثلا في أحدها، ابنتان عاريتان في سن الثانية عشر من العمر واقفتان أمام جدار نتبيّن فيه الجليز التونسي التقليدي، مما يحيلنا إلى طبيعة المكان، حيث نستنتج هُوية هذه الشخوص المصورة. ومثل هذه الصور الخليعة كثيرة جدّا. فلينارت جاب كامل تراب البلاد التونسية للحصول على مثلها. وقد طغى عموما على تمثّلات الاستشراقي للمرأة الشرقية وللأطفال أيضا إيناثا وذكورا، الطابع الغِوائي والهيروسي الخاضع لما يفرضه عالم اللذة الذي يحلُم به. وما يزيد الطين بلة، أن هذه الصور التي استخدمت كبطاقات بريدية، جابت أرجاء العالم.
وإثر الحرب العالميّة الأولى، أُغلق محل لينارت ولاندروك بتهمة التجسّس، فسُجن لينارت خارج تونس ومنع من العودة إليها. أمّا لاندروك فقد عاد إلى سويسرا ليصبح ممنوعًا من السفر. إلّا أن لينارت استطاع أن يرفع الحظر عليه بعد أن وجّه رسالة إلى الرسّام الروسي روبتزوف، يصف له فيها تعلّقه بسيدي بوسعيد وبتونس، فتم التّرخيص له بالعودة لفترة سنتين 1920- 1922. وبعدها سافر إلى مصر ليُتمِّم مسيرته هناك، قبل أن يعود من جديد إلى تونس ويتوفّى فيها.
عُرضت بعض الصور الفوتوغراقية للينارت في معرض "الصّور المنكشفة، من الاستشراق إلى الفنّ المعاصر" الّذي نظّمه المعهد الفرنسي للتعاون بقصر خير الدّين، مدينة تونس، من 20 إلى 4 نوفمبر 2006. وفي الندوة الصّحفية الّتي خُصت لهذا المعرض، صرّحت الفنّانة الجزائرية زليخة بو عبد الله والمُشاركة فيه، بأنّها تشعر إزاء هذه الصّور وكأنّها ترى جدّتها عارية.
سامي بن عامر